الأحد، أبريل 20، 2008

القائمون على تسيير البلد


جريدة أسرار الجزائرية الأسبوعية المستقلة/ العدد 181

عندما أعود إلى الوراء و أحاول أن أتمعن بعض الشيء في تفاصيل الأحداث، أكتشف أن فكرة إنشاء المجلس الأعلى للدولة، عقب استقالة الرئيس المُقال الشادلي بن جديد، لم تكن فكرة بطّالة كما يقول المصريون. 5 رؤوس بدلا من رأس واحدة !
الفكرة التي ينسبها البعض إلى عبقرية نظام الحكم في الجزائر، قال لي عنها "زوّالي" متقاعد منذ أزيد من عامين أنها كانت فكرة لصحفي جزائري، اقتبسها من يسميهم رئيس الحكومة الأسبق بن بيتور " القائمين على شؤون البلد" من دون أن يحصل ذلك الصحفي طبعا، لا على حقوق التأليف و لا على حقه في شيء من الشهرة، فنحن لسنا في الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال، و لكن هذا ليس موضوعنا !
من يصدق أن تلك الفكرة هي لصحفي ربما هو نفسه لا يعرف بعد أنه صاحبها و أن ذلك الصحفي بقلم " متاع ثلاثين دورو " أنقذ مهندسي جانفي 1992 و أخرجهم من مأزق ما بعد ذهاب الشادلي ؟! أنا صدقت، و لأنني أصدق ذلك الكلام ، أقترح على الذين يسمونهم " السيستام" أو أولئك الذين يجسدونه بأن يعودوا إلى تلك الفكرة التي ملأت كل ذلك الفراغ الدستوري الذي تسبب فيه ترحيل الشادلي من المرادية.
لم لا ؟! فالجزائر هي الجزائر، و الزمن الجزائري لا علاقة له بالزمن العالمي ، و نمط تفكير جويلية 1962 عندما استقلت البلاد، و بويع بن بلة رئيسا للجمهورية، هو نفسه الذي فكرنا به في 1965 لما بويع بومدين رئيسا لمجلس الثورة بعدما انقلب على رفيقه بن بلة، و في 1978 عندما زُكي الشادلي بن جديد رئيسا خلفا للراحل بومدين و في 1992 حينما دُعي بوضياف و هو بمنفاه الإرادي بالمغرب ليعود لبلده رئيسا و في 1994 عندما بُورك اليمين زروال رئيسا للدولة و في 1999 لما حصل " الإجماع " من حول عبد العزيز بوتفليقة ليدخل المرادية التي كان الكل يتصور في ديسمبر 1978 أن لا أحد سيقيم بها بعد ذهاب بومدين للراحة الأبدية عدا بوتفليقة و في 2004 عندما تم الإبقاء على بوتفليقة رئيسا للبلد.
نظام الحكم في الجزائر، كما يشهد عليه الزمن الجزائري الذي لم و لا و لن يتغير، لم يضع أبدا يده على خده و راح يتفرج عاجزا كالوليّة أمام المآزق الجزائرية و ما أكثرها، و الفكرة المنقذة قد يستوحيها السيستام من بضعة سطور بائسة لصحفي نكرة أو من نكتة تلفظ بها جزائري لا يُضحك إلا زوجته لأنها تخاف بطشه . تماما كما استنجد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن و وزيره للخارجية كولن باول برسومات و نصوص مرمية منسية على شبكة الأنترنت، استظهرها كولن باول أمام المجتمع الدولي و أعضاء مجلس الأمن على أنها الدليل القاطع على أسلحة الدمار الشامل التي كان يتوفر عليها رئيس العراق الشهيد صدام حسين !
نظام حكم الجزائر، عبقري كما يوصف، و يتقن أيما إتقان لعبة اقتباس الأفكار النيّرة حسب ما يُحكى عنه. فهل هو لا يزال يبحث عن فكرة تصلح للاقتباس، يحرك بها عربة العهدة الثالثة التي توقفت في ربع الطريق، أم أنه عثر على الفكرة التي أعطبت تلك العربة، على نحو لن ينفع معه لا الميكانيكيين و لا السحرة ؟
بوتفليقة سكت و أسكت معه دعاة العهدة الثالثة و تعديل الدستور لأنه ابن النظام و يعرف ما لا يعرفه حمه لفرودور عن منطق تفكير النظام. فنحن الآن في شهر أفريل، و بعد 12 شهرا فقط، ستُجرى الانتخابات الرئاسية التي حسبناها كلنا محسوم فيها مسبقا للمترشح الرئيس ( كما كانوا يسمونه عشية رئاسيات 2004 )، و بدلا من أن تدخل الحملة البوتفليقية الطريق السريع، نرى الناس ينسحبون عائدين إلى " عششهم" و الخيبة تطبع وجوههم ... هذا عائد و كله رغبة في تقطيع " البندير" الذي ظل يسخّنه طيلة شهور، و ذاك راجع و هو يتساءل ماذا سيفعل بالڤصبة التي لا تطلق إلا نغمة واحدة عنوانها " العهدة الثالثة" ... بالنهاية ما الذي يكون قد حدث ؟ .. أين يكمن المشكل ؟
يقول قائل أن بوتفليقة يريد أن يرشح نفسه لعهدة ثالثة. أين وجه المشكل .. فليرشح نفسه ! يرد آخر أن الدستور الجزائري الحالي يمنع البقاء في الرئاسة لأكثر من مرتين فقط و أن بوتفليقة يريد أن يقول - لأنه لم يقل بعد- بأنه يريد أن يعدل الدستور على النحو الذي يسمح له بالاستمرار رئيسا للمرة الثالثة. و من الذي يمنع بوتفليقة من أن يقول ما هو راغب في قوله.. فليظهر و يخاطب انس و جن هذه الأرض: يا خلق الله، إنني أريد أن أرقّع ها الدستور كي أستطيع أن أبقى رئيسا عليكم للمرة الثالثة... و يرفق تصريحه هذا بإكسسوارات كلامية تكميلية أخرى من شاكلة " لإتمام بناء صرح الدولة الجزائرية الحديثة و تحقيق الرقي و الازدهار... و...و ". يا الله، ماذا ينتظر فليتكل على الله، و يقول مثل هذا الكلام الذي أظن أنه لا يكلف أكثر من بضعة لترات من البنزين تستهلكها شاحنة النقل التلفزيوني التابعة لحمراوي، ثم إن المسافة بين شارع الشهداء و المرادية ليست ببعيدة ... يا الله على بركة الله، فليطل علينا على الثامنة مساء، و يبلغنا بحكاية تعديل الدستور هذه... ما الذي يمنعه ؟ يرد آخر بأن بوتفليقة لا يريد أن يقول بأنه ينوي تعديل الدستور، ما لم يحصل على الموافقة المبدئية المسبقة على فكرة تعديل الدستور ! سبحان الله.. لأول مرة في حياتي أسمع عن شخص يريد أن يخطب امرأة، و لكنه يريد ألا يخطب قبل أن يوافق أهلها على تزويجه ابنتهم ! ثم موافقة من تلك التي لا يريد بوتفليقة أن يتكلم ما لم يحصل عليها أولا؟.. موافقتنا نحن ؟! أظن أننا حسمنا هذه المسألة منذ 62، و قلنا بأننا نحن " الشعب برك" لا نوافق أبدا و لا نعارض مهما يحدث، و بوتفليقة نفسه يعرف بأننا " الشعب برك". إذن موافقة من، تلك التي يريد بوتفليقة انتزاعها قبل أن يتحدث و يقول: أريد أن أعدل الدستور ؟ يرد آخر: انه يريد موافقة من يسميهم بن بيتور: القائمين على تسيير شؤون البلد". و من يكون هؤلاء " القائمون على تسيير شؤون البلد " الذين يتحدث عنهم الكل و لا أحد يتجرأ على نعتهم بأسمائهم أو ألقابهم .. من يكونون، و نحن الذين نتصور أنه ما من أحد قائم على تسيير شؤون البلد أعلى من الرئيس.. من يكون هؤلاء الأشباح يرحم والديكم ؟! العسكر؟ أظن أنه حينما يحصل بوتفليقة على موافقة هؤلاء سوف لن يكون في حاجة لأن يخاطبنا ليعبر لنا عن رغبته في " تزويق" الدستور لأننا نحن " الشعب برك " و لا دخل لنا في القضايا التي تهم لا حاضر و لا مستقبل البلاد .. لا يا سيدي، عاش من عرف قدرو، كل واحد في بلاصتور.. الرئيس هو الرئيس و العسكر هم العسكر، و نحن واش دخلنا ! إذن، ما من شك أن أولئك الذين يخاف حتى رؤساء الحكومات السابقين تسميتهم بأسمائهم، قد أعطوا موافقتهم ، ما دام بوتفليقة ساكتا، لأنه كما قلنا هو ليس في حاجة لأن يقول لنا أي شيء بهذا الخصوص، بمجرد ما يحصل على موافقة العسكر على مشروعه .. و عما قريب إن شاء الله سيعدّل الدستور، و يبقى بوتفليقة رئيسا .. ما من مشكل يعني !
يرد آخر: لا .. إن العسكر و بوتفليقة غير متفقين بخصوص تعديل الدستور و العهدة الثالثة ! هذا هو الكلام الذي لا أستطيع أن استوعبه.. ما معنى أن العسكر و بوتفليقة غير متفقين حول هذا الموضوع؟ من منهم يريد ماذا ؟ من منهم يقول لا للآخر... هل من مجيب فأنا أريد أن أفهم؟ يرد آخر: إن العسكر ضد الأبدية في المرادية ! و لكن من التافه الذي قال للعسكر بأن بوتفليقة يريد أن يبقى للأبد في المرادية.. من هو الشيطان المعتوه الذي يصطاد الضفادع في المياه العكرة .. من هو الفاسق الذي أتى بهذا النبأ؟ .. يا جماعة إن جماعة بوتفليقة ما انفكوا يرددون " عهدة ثالثة .. عهدة ثالثة.. عهدة ثالثة un troisième mandat فقط. فلنعدل هذا الدستور، و بدلا من عهدتين نضع ثلاث عهد، و كفى بالله حسيبا.. أين المشكلة.. بسيطة يعني. ثم أن تعديل الدستور ليس فيه ما يحيّر. غرفتا البرلمان أو إحداهما فقط تكفي لكي نُلبس دستورنا بدلته الجديدة، و ربما لا يحتاج الدستور أصلا لدخول لا الغرفة العليا و لا السفلى، لأن بدلته قد يرتديها في غرفة الحاجب، و " يدوّر ". فأين المشكلة أم أننا نريد اختلاق مشكلة من الرقم ثلاثة. فالبشرية جمعاء تؤمن بمقولة ما من مرتين إلا و كانت لهما ثالثة jamais deux sans trois . يا الله فوتوها، عدلوا الدستور و أضيفوا له الرقم ثلاثة، و الصلاة على النبي.
يرد آخر: لا، إن كلام جماعة الرئيس كانوا ( كانوا لأنهم لم يبقوا) يقولون كلاما يُفهمُ منه أن بوتفليقة يريد تعديل الدستور على النحو الذي يجعل عدد العهد مفتوحا، و غير محدود لا في مرتين و لا في ثلاثة و لا في أربعة و لا في خمس... و لا ! بمعنى أنه بوتفليقة يريد acte notarié . فليكن .. فليتركوه يعدل الدستور على النحو الذي يبقيه رئيسا للأبد. أين المشكلة، فهو كما كانت تقول جدتي " قاري، و صاحب بومدين و يعرف يهدر و يركب في الطيّارات و تسلّم عليه الريّاس".. أين الإشكال.. هل لا بد لنا من أن نغير الرئيس ؟! يرد آخر: و لكن الآخرون يريدون أن يحكموا هم أيضا ! و من قال أنه لا يحكمون.. أ لم يسميهم بن بيتور القائمين على تسيير شؤون البلد ؟! يرد آخر: و لكن بوتفليقة ليس من النوع الذي يحكم معه الآخرون ! ما دام بوتفليقة ليس من النوع الذي يقبل بأن يحكم معه الآخرون كما تدعون، فليفعل ما يشاء إذن. لماذا أنتم تقولون بأنه لم يحصل بعد على الموافقة على تعديل الدستور ليبقى رئيسا... يا الله، العمال على ربي، فليجهر بقراره و يعدل الدستور و يبقى رئيسا ؟! يرد آخر: انه يخشى رد فعل الآخرين الذين لا يتركهم يحكمون معه ! هذا الفيلم الدزيري أرهقني، و ما من حل له عدا أن يحكم هذا البلد كل من يريد أن يحكمه. فلنعد إلى فكرة 1992... 5 أو ستة أو سبعة " ترّاسة" كلهم رؤساء، و لنسميهم " القائمون على تسيير شؤون البلد" .. مثلا. و ليحكموا الجزائر إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات: